في يوم الجمعة، وفي مسجد النور بمدينة كريست تشيرش النيوزيلندية، جلست "آنسي" في مصلى النساء بينما كان "عبدالناصر" في مصلى الرجال.. أما قلبيهما، فكانا يلهجان بذات الدعاء، شكرا لله أن أتم عليهما زواجهما، وتمكنا من الانتقال معا إلى هذا البلد الهادئ، ليؤسسا حياتهما الزوجية.

"آنسي علي بابا" و"عبدالناصر".. عروسان من الهند تزوجا حديثا، وقررا الانتقال إلى نيوزيلندا للعيش هناك.. كان ذلك حلمها الذي شاركها إياه، حتى تم وأده في الهجوم الإرهابي الذي استهدف مسجدي "النور" و"لينوود"، وأسفر عن استشهاد 50 من المصلين، وإصابة نحو 20 آخرين. بعيون دامعة ووجه شاحب قد فارقه شغف الحياة، يروي "عبدالناصر" تفاصيل لحظات الرعب التي قلبت الحلم إلى كابوس دام، فيقول "كسر أحدهم النافذة، وبعدها ركضت".

عندما توقف إطلاق النار- يتابع- "وجدتها قد قتلت.. رأيتها هناك ممدة في الشارع". ركضت "آنسي" من المسجد بدون حذاء... يحاول "عبدالناصر" الفرار من الذكرى الأليمة بالحديث عن زوجته الشابة قائلا "إنها تحب السفر، والقراءة، ومشاهدة الأفلام الإنجليزية".

قبل أسابيع، أنهت "آنسي" دراستها بجامعة لينكولن حيث أقيمت وقفة تضامن مع ضحايا الهجوم الذي نفذه إرهابي أسترالي يدعى "برينتون تارانت" (28 عاما)، وهو يميني متطرف، يؤمن بتفوق العرق الأبيض، وفق ما جاء في مذكرة توضيحية نشرها قبل قيامه بالمذبحة. حصلت "آنسي" على الماجستير في إدارة المشاريع الزراعية، مؤملة أن تجد وظيفة جيدة لدعم عائلتيهما؛ هي وزوجها، المكافحتين في الهند.

يقول صاحب الغرفة التي كان يعيش فيها العروسان المكافحان "بعد رحيلها لم يرغب زوجها في العودة لنفس الغرفة.. يبكي ليلا ويستيقظ كل دقيقتين أو ثلاث ليبحث عنها". الإرهابي "تارانت" لم يترك لـ"عبدالناصر" ألم فراق عروسه فقط، بل كذلك عبئا ماديا بآلاف الدولارات، اقترضتها "آنسي" لتمويل دراستها على أمل أن تسدها بعد التخرج والحصول على وظيفة جيدة.

ورغم تدشين متضامنين صفحة على الإنترنت لجمع تبرعات لضحايا المذبحة وأسرهم، إلا أن حتى بقاء "عبدالناصر" في نيوزيلندا أصبح أمرا غير مؤكد، حيث دخل البلد بناء على تأشيرة الطالب التي حصلت عليها "آنسي". "آنسي"، واحدة من 5 هنود، قتلوا في أكبر هجوم إرهابي شهدته نيوزيلندا.. وبدلا من أن يعود زوجها بأول مولود لهما إلى عائلتيهما في الهند، ينتظر استلام جثمانها ليعود بها إلى والديها.