مع الإعصار المدمر الذي ضرب ولاية ميسيسبي الأميركية جنوبي البلاد، نهاية الأسبوع الماضي، وتأثرت به جزئيا ولاية ألاباما المجاورة، وخلف عشرات القتلى والمصابين (أكثر من 25 قتيلا) وتشريد الآلاف، وخسائر مادية جسيمة شملت تدمير أو تضرر أكثر من 2000 منزل وفق الوكالة الاتحادية لإدارة الطوارئ. عادت التساؤلات لتطرح حول السبب في ارتفاع وتيرة القوة التدميرية للأعاصير ولمختلف الظواهر الطبيعية والمناخية المماثلة وآليات تشكلها، وفي كون الولايات المتحدة من أكثر دول العالم تعرضا للأعاصير المدمرة وتضررا منها .

أرقام صادمة: حيث يبلغ متوسط عدد الأعاصير في الولايات المتحدة أكثر من 1150 سنويا، ويفوق تعداد الأعاصير التي تضرب أميركا سنويا كلا من كندا وأستراليا وجميع الدول الأوروبية مجتمعة. داخل الولايات المتحدة، تعرضت كل ولاية لإعصار واحد على الأقل، وبعضها يعاني العشرات منها كل عام, كما و يبلغ متوسط عدد وفيات الأعاصير في الولايات المتحدة سنويا 73 شخصا.في أوروبا، حيث تكون الأعاصير عادة أضعف بكثير، يقدر عدد الوفيات بما يتراوح بين 10 و15 سنويا بينما تتعرض ولاية تكساس إلى 140 إعصارا سنويا، وهي الولاية الأميركية الأكثر عرضة لهذه الكارثة الجوية. يقول الخبير المناخي وعضو الاتحاد العالمي لحماية الطبيعة أيمن قدوري.

تصنف أميركا أكثر دولة تتعرض لكوارث الأعاصير على مدار العام الواحد وشهدت عبر التاريخ الكثير منها، والتي دائما ما كانت مدرجة ضمن مسببات الوفيات في البلاد، بمعدل يصل إلى 75 حالة سنويا، حسب إحصائية خدمة الطقس الوطنية التابعة للإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي.

آلية تشكل الإعصار: الإعصار كارثة طبيعية تنشأ بسبب اضطرابات جوية لحظية بين كتل الهواء المتصادمة والمختلفة بدرجة الحرارة ونسبة الرطوبة والارتفاع عن سطح الأرض، غالبا ما ينشط الإعصار بعد تعرض منطقة معينة تتوفر فيها ظروف جغرافية محددة لسلسة من العواصف الرعدية الشديدة.

سلسلة وليس إعصارا واحدا: إعصار ميسيسبي هو سلسلة من الأعاصير المتتابعة تشكلت تحديدا فوق نهر الميسيسبي، وانتقل لمسافة 94 كيلو متر وبعرض وصل إلى 1.2 كيلو متر تقريبا، وهو بذلك يعد من الأعاصير النادرة طويلة المسار، تراوحت قوته بين الفئة الثالثة والفئة الرابعة على مقياس فوجيتا المحسن المكون من 5 فئات مسجلة من أصل 12 فئة قياسية، وفقا لسرعة الرياح وحجم الدمار الذي خلفه الإعصار. استمرار إعصار ميسيسبي وحفاظه على نشاطه لفترة زمنية طويلة نسبيا، جاء نتيجة لتوافر ظروف جوية وجغرافية مثالية على طول مساره وعدم مصادفته لأي عامل جوي ممكن أن يسبب نهاية الإعصار قبل أن يقطع هذا المسار الطويل.

الجزء الجنوبي الشرقي للولايات المتحدة تتوفر فيه كافة عوامل ولادة الإعصار، مثل وجود كتلة هوائية باردة جافة قادمة من الشمال الغربي تحديدا من صحراء موهافي وجبال روكي، تتجه نحو الجنوب الشرقي الأكثر دفئا مع ضغط جوي منخفض لتصطدم بكتلة هوائية دافئة رطبة على ارتفاع قريب نسبيا لسطح الأرض مصدرها الخليج المكسيكي، بالتالي تكون الولايات الواقعة ضمن هذا النطاق مواقع مثالية لتطرف الطقس القاسي، ونشوء العواصف الرعدية ثم ظهور الأعاصير العنيفة. غالبا ما تتكرر الأعاصير في مراحل الانقلابات المناخية الموسمية بين الشتاء والصيف، وتتركز في المناطق المحصورة بين منطقة الانقلاب المتدرج شمال الكرة الأرضية، ومنطقة الانقلاب المداري السريع قرب خط الاستواء.

حالة طوارئ: هذا وعقب الإعصار المدمر الذي ضرب ميسيسبي، أعلن الرئيس الأميركي جو بايدن، حال الطوارئ في الولاية، مما يتيح التمويل الفيدرالي للمناطق الأكثر تضررا. وكانت اللقطات التلفزيونية قد أظهرت منازل سويت بالأرض تماما وحطاما متناثرا في الطرق ودمارا أشبه بما تحدثه كارثة زلزال، بينما تحاول أجهزة الطوارئ الوصول لمن يحتاجون المساعدة. حتى أن رئيس بلدية رولينغ فورك التي يسكنها حوالي 2000 شخص في غرب وسط ميسيسبي، قال لشبكة "سي إن إن": "لم تعد بلدتي موجودة".