مسلسلات رمضان
بوعود كاذبة.. فرنسي أنشأ دولة انهارت بعد عامين
20/03/2024

عقب قيام نابليون بونابرت باجتياح إسبانيا عام 1807 في خضم فترة الحروب النابليونية، شهدت المستعمرات الإسبانية بمعظم أميركا اللاتينية، بداية من العام 1808 تحركات سياسية وعسكرية أسفرت عن سقوط السلطة الإسبانية واستقلال العديد من مستعمراتها السابقة بالمنطقة. وعقب رحيل الإسبان، شهد جنوب القارة الأميركية العديد من الحروب بسبب مشاكل حول النفوذ والحدود. وبهذا السياق، تحولت منطقتا أروكانيا (Araucanía)، التابعة للتشيلي بيومنا الحاضر، وباتاغونيا (Patagonia)، المقسمة بين الأرجنتين والتشيلي بيومنا الحاضر، الواقعتان بأقصى جنوب القارة الأميركية لأراض متنازع عليها بين الأرجنتينيين والتشيليين حيث طالب كلا الطرفين بحقه في السيطرة على هذه الأراضي التي قطنتها قبائل من السكان الأصليين.

بوعود كاذبة.. فرنسي أنشأ دولة انهارت بعد عامين صورة رقم 1

ومع انتشار الأخبار حول هذه المناطق المتنازع عليها بين التشيلي والأرجنتين بالصحف العالمية، وضع المحامي الفرنسي أنطوان دي تونانس (Antoine de Tounens)، المولود يوم 12 أيار/مايو 1825، خطة لتغيير مستقبله والحصول على الشهرة. وبخطته هذه، قرر أنطوان السفر نحو كل من باتاغونيا وأوركانيا لوضع يده عليهما وإعلان نفسه ملكا عليهما.

بوعود كاذبة.. فرنسي أنشأ دولة انهارت بعد عامين صورة رقم 2

فخلال العام 1857، تخلى أنطوان دي تونانس عن مهنة المحاماة واقترض مبلغا ماليا هاما من عائلته لتمويل مشروعه بجنوب القارة الأميركية بأراضي باتاغونيا وأروكانيا التي عاشت عليهما قبال المابوشي (Mapuche). وبنفس الفترة، توجه أنطوان لباريس ليعرض خطته على الحكومة الفرنسية. إلى ذلك، لم تحظَ فكرته بأي اهتمام حيث تجاهلها المسؤولون الفرنسيون وسخروا منها. وأمام هذا الوضع، سافر هذا المحامي الفرنسي نحو التشيلي عام 1858 واستقر لوهلة بمنطقة كوكيمبو (Coquimbo) على بعد 400 كلم شمالي العاصمة التشيلية سانتياغو. وهنالك، تعلم الأخير اللغة الإسبانية ولغة السكان الأصليين، كما أقدم على صناعة عملة وكتابة دستور ورسم علم لدولته.

بوعود كاذبة.. فرنسي أنشأ دولة انهارت بعد عامين صورة رقم 3

لاحقا، تواصل أنطوان دي تونانس مع عدد من قادة قبائل السكان الأصليين بباتاغونيا وأروكانيا وأقنعهم بضرورة لم شمل القبائل بكونفدرالية وإنشاء دولة، يكون هو ملكا عليها، واعدا إياهم بكسب دعم فرنسا، أثناء فترة نابليون الثالث، للحفاظ على استقلالهم أمام الأطماع التشيلية والأرجنتينية. يوم 17 تشرين الثاني/نوفمبر 1860، حقق أنطوان رغبته حيث تم رسميا تمرير دستوره من قبل السكان الأصليين وإعلان نشأة مملكة باتاغونيا وأروكانيا التي أصبح بحلول يوم 20 من نفس الشهر ملكا عليها تحت مسمى أوريلي أنطوان الأول (Orélie-Antoine I).

سقوط الدولة
أثارت عملية إنشاء مملكة باتاغونيا وأروكانيا غضب التشيلي. فضلا عن ذلك، عبرت الحكومة عن قلقها عقب سماعها باستعداد أنطوان لاستغلال مناجم الذهب والفضة بالمنطقة وإنشاء خط بحري بين بلاده ومدينة بوردو الفرنسية. وأمام هذا الوضع، نظمت التشيلي حملة عسكرية ضد هذه الدولة الجديدة وتمكنت عام 1862 من اعتقال أنطوان دي تونانس الذي أرسل نحو مصحة أمراض نفسية بأمر قضائي قبل أن يرحّل نحو وطنه فرنسا.

بوعود كاذبة.. فرنسي أنشأ دولة انهارت بعد عامين صورة رقم 4

إلى ذلك، حصل أنطوان على مقاليد السلطة عقب وعوده الكاذبة التي قدمها للسكان الأصليين بضمان دعم فرنسا لهم. وفي الأثناء، لم تتحرك فرنسا لصالح مملكة باتاغونيا وأروكانيا حيث انشغل نابليون الثالث بتلك الفترة بالأزمة السياسية التي عاشت على وقعها المكسيك. طيلة ما تبقى من حياته، طالب أنطوان باستعادة مملكته واصفا نفسه بالملك المنفي. وبثلاثة محاولات، حاول الأخير العودة لجنوب القارة الأميركية لاستعادة عرشه. وبجميع محاولاته الفاشلة، اعتقل أنطوان من قبل السلطات التشيلية التي لم تتردد في إعادته لفرنسا. خلال محاولته الأخيرة، تدهورت صحة أنطوان. ويوم 17 أيلول/سبتمبر 1876، توفي أول ملك لباتاغونيا وأروكانيا عن عمر ناهز 53 سنة.