بين الاول في الصف والاخير هناك مسافات بعيدة وشاسعة، انما ان تكون الاخير وتظن نفسك الاول فالمسافة بينك وبين عقلك تكون هي الكبيرة والبعيدة، ولكن المفارقة ان تقف في اخر الصف وتكون الاول فهذه المعادلة صعبة ولا تصح الا مع جورج خباز، فهو الاول في صفه، في صف المسرح الشعبي الذي يحاكي هموم المواطن ويضعه وجها لوجه امام مرآة ذاته فيضحك على أخطائه ويبكي على وجعه.. ومع الاول في صف المسرح جورج خباز كان هذا اللقاء العفوي والصريح والحقيقي والذي لا يشبه الا جورج خباز.

خباز الاول في صف المسرح الشعبي

جورج خباز انت في الصف الآخر ام الاول؟
من الآخر الأول ومن الأول الآخر، اظن نفسي الاول وفي الحقيقة اكون الاخر، الصف هو من أدار ظهره لي.

اي صف تقصد؟ صف المدرسة ام صف الوطن ام الدولة ام صف الفن؟
كل الصفوف تشبه بعضها، صف الالتزام الاخلاق والمبادىء، كل الصفوف مخروقة.

مخروقة من قبل من؟ وانت ماذا تحاول ان تفعل من خلال مسرحك؟
انا ومن خلال المسرح برفقة المجموعة بالطبع، نحاول ان نلقي الضوء على الشواذ والنشاذ الموجود في المجتمع، عبر الضحكة والابتسامة، والمشاهد من خلال مشاهدته للعمل يختار شخصية تشبهه او قريبة منه ويضحك من خلالها على نفسه او يبكي.

هل جورج خباز يمثل دور المواطن في مسرحياته؟ وهل هو ايضاً يضحك او يبكي على نفسه؟
بالتاكيد، وهذا هو دور المسرح الكوميدي او ما يُسمى بالمسرح الشعبي، ان يظهر الحقائق بطريقة يرى فيها المواطن نفسه، وهنا اود ان اعطي مثالا عما اقوله، فاكثر من ضحك على مسرحية البخيل لموليير هو البخيل بحد ذاته، نحن نقتبس من مجتمعنا فنترجم هواجسنا بمشهدية تمثيلية كوميدية جميلة نتواصل خلالها مع أنفسنا من خلال هذا العمل.

في الماضي كان شوشو من خلال مسرحه ينطق بلسان حال المواطن وفي احدى المرات تم توقيف عرض مسرحية اخ يا بلدنا، لن اقارن بينك وبين شوشو ولكن هل تعتبر نفسك امتداداً لمسرحه؟
سأرد على سؤالك بالتالي، اولاً في المسرح الموسمي السنوي اكيد نحن نعيد امجاده فهذا المسرح يمتلئ بالجمهور بمعدل 6 حفلات في الاسبوع على مدار 6 او7 اشهر دون توقف من تشرين لحزيران، وعلى صعيد المضمون نحن اي شوشو وانا نمثل الناس بطريقة او باخرى، كل واحد في "ستيله الخاص" طبعا دون ان اقارن نفسي به. انا احاول رد اعتبار المسرح الشعبي الذي كان متواجداً قبل الحرب ايام شوشو وزياد الرحباني ونبيه ابو الحسن وكل هؤلاء الذين صنعوا المسرح الشعبي الذي يجمع سائق التاكسي والطبيب وكل شرائح المجتمع، انا احاول حمل راية المسرح العائلي الذي يجمع الطفل والعجوز وكل افراد الاسرة وان يكون متنفسا لهم رغم كل الحالات الاقتصادية الحالية التي نمر بها.

"بكيّف قد الدني لما تنفتح الستارة"

شملت كل شرائح المجتمع باستثناء السياسي او المسؤول عن المواطن، هل يفرح هؤلاء في مسرحياتك ايضاً؟
بالتاكيد والسبب انهم يرمون علاتهم على خصومهم بعكس المواطن المتصالح مع نفسه، المسوؤل ينأى بنفسه بما ان الموضة هذه الايام هي موضة النأي بالنفس.

لأي مدى هناك استمرارية للمسرح في ظل هذه الظروف الاقتصادية المزرية؟ خصوصا انك المنتج ايضاً
اول مسرحية قدمتها سحبت قرضا من المصرف ووضعت يدي على قلبي فاما ان ننجح او ان نرزح تحت الديون، ومن اول عمل لليوم اصبح كل عمل هو ي من ينتج العمل الذي يليه، والحمدالله هناك ثقة متبادلة بيني وبين المشاهد، فهو يعرف بانه عندما ياتي سيشاهد عملا فنيا متكاملا. مسرحي يعتمد على موضوع اجتماعي ففيه نلقي الضوء على الخلل وليس على النتيجة.

جورج لماذا لا نراك في التلفزيون عبر برامج الكوميديا مثلا؟
"ما بدي"، عبر التلفزيون تقدم حلقة اسبوعية تتمحور حول احداث الاسبوع اي انية، وانا افضل ان ابيع "ذهب بالغرام" على ان ابيع "بطاطا بالشوالات"، ساعة ونصف في المسرح او ساعتين في السينما يكفيان لاعطي زبدة المضمون المسرح اجمل لان العمل فيه يدوم اكثر ، ففي التلفزيون تضع الحلقة اليوم وترميها غداً لانها مرتبطة بزمان ومكان بعكس المسرح.

هل تقصد في كلامك ان كل ما يُعرض بطاطا؟
لا ليس الكل، البعض منهم جيد، ولكن البعض الاخر بطاطا و"بطاطا مهرية".

جورج خباز سؤال اخير، بماذا تشعر عندما تُفتح الستارة وترى المسرح كومبليه؟
"بكيّف قد الدني"، خصوصا ان الناس قادمين الى مسرحنا بظل هذه الظروف الاقتصادية الصعبة حيث لا اكل ولا شرب ولا فتيات من غير ملابس، وافرح عندما ارى ان الجمهور من كل الاعمار والمستويات وهذه نعمة اشكر ربي عليها. (النشرة)