الى الجنوب دُر ثم سِر... ففي القرى الجنوبية اللبنانية يصوّر مسلسل الغالبون الجزء الثاني، الذي يؤرخ بطريقة درامية مشوّقة قصص الجنوبيين وتعاطيهم مع المحتل الاسرائيلي مقاومة أو تعاملاً!.. قصص العائلات التي عانت ظلم الاحتلال في الفترة الممتدة من 1986 حتى 1993. انه الجزء الثاني من تاريخ ما زال حاضرا جداً في الذاكرة القريبة حتى ليُظنَ ان رائحة الموت والبارود من تلك الحقبة لم تغمرها بعد روائح الحروب التي شهدناها منذ عدة سنوات.

الممثل طوني عيسى

على الطريق الى الجنوب بمرافقة أحمد مسلماني المسؤول الإعلامي في قناة المنار اللبنانية التي تقوم بإنتاج العمل الدرامي الضخم الى جانب مركز بيروت للدراسات. طريق صيدا مقطوعة بتظاهرة... هذا هو لبنان!! الى قرية جرجوع مركز التصوير في ذلك اليوم.. يتحدث احمد عن المقاومة، وكيف صمدت المنار اثناء حرب تموز 2006، ثم يدلنا على الجبل الرفيع حيث استشهد هادي نجل السيد حسن نصر الله، ومفرق قرية مليتا حيث يقام معرض ضخم من (غنائم) حرب تموز 2006 من دبابات وعتاد للجيش الاسرائيلي. قصص كثيرة رافقت الرحلة ذهابا وإيابا، مسكونون كلنا بتلك القصص التي تتجسد سنة بعد سنة في مسلسل الغالبون، قصص مليئة بالغصة والفخر في آن.

الغالبون 2 يعرض في رمضان على قناة "المنار" اللبنانية، قناة "الكوت" الكويتية، قناة "المسيرة" اليمنية والفضائية السورية. يركّز هذا الجزء من المسلسل على محطات وشخصيات رئيسة كان لها دور مهم في محاربة الاحتلال، ويروي العديد من قصص أبطال المقاومة ومجتمعها بأسلوب شيق، كما يبيّن الأسباب التي دفعت المقاومة الى اتخاذ نمط جديد في عملياتها، ويركزعلى محاولات الاستخبارات الصهيونية اختراق المقاومة. وقد أضيفت شخصيات عديدة، واصبح العمل الدرامي موزعا بين داخل الشريط المحتل وخارجه.

في موقع التصوير التقينا مخرج الجزء الثاني من مسلسل "الغالبون"، المخرج السوري رضوان شاهين الذي حدثنا عن العمل باختصار.. فهو يقوم بالاخراج الدرامي في المسلسل في حين يقوم مهدي قانصوه باخراج المشاهد العسكرية. لم يطّلع رضوان شاهين على الجزء الاول الذي قام بإخراجه المخرج السوري أيضاً باسل الخطيب، وهو بالتالي لا يحبّذ تعدد الأجزاء في اي دراما، وكان يفضل لو سُمي العمل باسم اخر.. ويقول ان مسلسل "الغالبون" الذي يجسّد تضحيات اللبنانيين، يعبّر عن كل شعوب العالم التي تعرضت للظلم وقاومته، كما ان الدراما فيه تخاطب عواطف وعقول الجميع. ويضيف: "ان "الغالبون" يتحدث عن المقاومة اللبنانية وليس عن مجرد فئة معينة"، حيث يعتبره ملحمة وطنية وشعبية جعلته يغيّر في قاعدته في عدم اخراج اجزاء من المسلسل ذاته. ويشدد رضوان شاهين على اهمية رفع الذوق العام لدى المشاهد مع تقديم الدراما بعناصر تشويقية وجمالية.

مساعد المخرج فراس شاهين يحدثنا عن المسلسل فيقول: ان هذا الجزء يصّور امتداد المقاومة ومحاربتها لاسرائيل ولجيش لحد (جيش لبنان الجنوبي الذي تعامل مع اسرائيل)، ويركز على العمليات العسكرية في تاريخ المقاومة، ويحتوي المسلسل على اكثر من 340 موقع تصوير بين الجنوب وبيروت. ويضيف فراس ان مفاجأة المسلسل هو دور الشهيد السيد عباس الموسوي (امين عام حزب الله السابق)، هذا الدور يلعبه ولده ياسر الذي يطابقه جدا في الشكل.

كما التقينا في موقع التصوير بعض الممثلين، فكانت لقاءات سريعة وضعتنا في أجواء المسلسل عامة:

الممثلة بولين حداد.. عرفت بشخصية زينب

الممثل عماد فغالي الذي يلعب دور عيسى والذي يستشهد شقيقه في الحلقات الاولى، يخبرنا عن الانسجام بين الممثلين والانتاج، ويقول ان الدور الذي يلعبه هو شخصية (مفترية) ولا تشبهه البتة، لكنه يعمل على تركيبها. وعماد لم يكن في الجزء الاول من المسلسل ولا يزعجه حجم دوره القصير نسبيا، ويقول: "انه لا يوجد لبناني لا تعنيه هذه القضية بطريقة او باخرى، وان المقاومة غيرت نظرة العالم العربي والغربي لنا". وهو يدعو المشاهدين للاستمتاع بهذا المسلسل في رمضان المقبل لأنه سيقدم مواضيع انسانية ودراما ممتعة.

الممثلة بولين حداد التي عرفت في الجزء الاول بشخصية زينب، تخبرنا ان قصة الحب مع علي الذي يلعب دوره الممثل طوني عيسى، تكتمل فصولها بعد اعتداء الاسرائيليين عليها.. وتقول ان في الجزء الثاني شخصيات جديدة تمثل عائلات من داخل الشريط المحتل ومواجهاتهم اليومية. وعندما سألناها عن غياب بعض الشخصيات الرئيسة قالت انها سمعت الكثير، وتظن ان الانتاج الضخم سيوجه الانظار نحو القصة بحد ذاتها اكثر من غياب الشخصيات. تضيف بولين ان لكل مخرج طريقة خاصة ولقد انسجمت بالعمل مع رضوان شاهين هذا العام كما انسجمت ايضا مع المخرج باسل الخطيب في العام الماضي. وتضيف ان كل الشعوب التي عانت سيعني لها هذا المسلسل كثيراً.

الممثلة نادين نجيم (ملكة جمال لبنان السابقة) تقوم بدور صفاء وهي أرملة شهيد.. تقول نادين ان في هذا الدور تحديا كبيراً كونه لا يشبهها وهو "خارج اطار بيئتي وديني"، فهي تمثل دور ارملة جنوبية محجبة، ودورها يضيف طابعاً انسانيا على المسلسل كونها تترمل وتواجه مصاعب عديدة لتبني بيتها في ظل استشهاد زوجها.. وتقول انها مرتاحة جدا للسيناريو، واصعب ما واجهته هو اللهجة الجنوبية، وقد ساعدها جدا في هذا الشأن الممثل أحمد الزين.

الممثل طوني عيسى الذي يلعب دورعلي وهو دور رئيسي في المسلسل في جزئيه الاول والثاني، يقول بأن دوره يأخذ منحى عسكريا أكثر من الجزء الاول وان هذا الجزء كان متعبا، ولكنه سيلقى الاستحسان اذ ان قصصه عديدة ومتفرعة، ويضيف طوني ان الشخصيات الجديدة ستبين للمشاهدين كم عمل الممثلون على أدوارهم لتكون مطابقة للشخصيات الحقيقية. وان "الغالبون" يصوّر جزءاً من أعمال المقاومة تظهر معاناة بعض الناس وتقوم بدور التوعية لحقيقية ما حصل معهم.

من جهة أخرى يقال فيما يِقال ان القائمين على مسلسل "الغالبون" استبعدوا الممثلة دارين حمزة التي كان لها دورا رئيسيا في المسلسل، وهي شخصية (بتول) التي تلعبها بدلا منها في الجزء الثاني الممثلة إلسا زغيب، وأغلب الظن ان استبعاد دارين كان نتيجة دور جريء قامت به في فيلم سينمائي لبناني تحت عنوان (بيروت أوتيل)، اما القائمين على مسلسل "الغالبون" فلا ينفون ولا يؤكدون.. لكن جلّ ما يقال ان دارين كانت مرتبطة بأعمال درامية أخرى حالت دون مشاركتها في "الغالبون 2". وأذا كان استبعاد دارين لدور قدمته وهي ممثلة تقوم بادوار مختلفة فلماذا أوتيَ بحسن فرحات ليمثل في "الغالبون 2"، وهو الذي قام مسرحيا بدور الرجل الغلام (اللوطي) في مسرحية طقوس الاشارات والتحولات لسعد الله ونوس والتي اخرجتها نضال الاشقر. ولماذا جيء بنادين نجيم التي مثلت لبنان في العالم بلباس البحر ايضا، مع كل الاحترام لشخصَي وموهبيتي حسن ونادين، لكن السؤال اذا كان الكيل بمكيال واحد ام لا!

الممثلة نادين نجيم.. هي ارملة شهيد

ويمتاز "الغالبون" بالبطولات الجماعية والابتعاد عن فكرة البطل الواحد الهوليودي، ما يعطي العمل مصداقية اكبر خاصة كونه يتحدث عن شعب وليس مجرد أفراد. ومن الملفت اعتماد قناة المنار ممثلين من طوائف ومذاهب مختلفة حتى في الادوار الرئيسة في جزئي المسلسل. وتبقى تساؤلات عدة قد تجيب عليها حلقات المسلسل.. إذ ان الكثير من اللبنانيين والجنوبيين ينتظرون هذا العمل لمشاهدته واعادة ذكريات تلك الفترة التي عايشوها وما زالت مرارتها في افواههم، وكلهم أمل ان تكون حياتهم قد أعطيت حقها... فهل ستقع الجهة المنتجة هذا العام باخطاء التجاهل لأحزاب وفعاليات مقاومِة كانت مَن وضع الحجر الاساس في العمل النضالي، هل ستُذكر مثلا سناء محيدلي المرأة الاستشهادية الاولى وغيرها من شهداء لم ينتموا الى حزب الله ومن طوائف مختلفة؟ ..وهل سيقع الجزء الثاني بأخطاء غير مبررة دراميا قد يكون سببها الرقابة الشرعية في المنار؟

وبما ان "الغالبون" ستكتمل أجزاؤه رمضانا بعد اخر، وان ابن السيد عباس الموسوي مثّل دور والده في الجزء الثاني حتى اغتياله، فمن سيقوم بتمثيل دور السيد حسن نصرلله في الجزء الثالث؟ وهل مَن سيمثل دورالشهيد عماد مغنية بتاريخه الحقيقي منذ ايام (القوة 17) في منظمة فتح؟

يبقى على المنار المسؤولية الاكبر في اظهار مقاومة الشعب اللبناني والمقاومة اللبنانية بكل أطيافها، وهذا ما ننتظر مشاهدته في الجزء الثاني من مسلسل "الغالبون" الذي سيشكل دراما تنافسية في شهر رمضان. وتجدر الاشارة الى ان الجزء الاول كان قد نال جائزة أفضل مسلسل درامي لبناني لعام 2011 في المهرجان اللبناني للسينما والتلفزيون. وايمانا من موقع مسلسلات برو بان كل شخصية مهما كان طول دورها او قصره، فانها تضيف نكهة على هذا العمل الضخم.

مقتطفات من مسلسل "الغالبون 2"